July 8, 2011

The Most Beautiful Girl in The World..!


عندما كنت في دبي، تعرفت على صديقة مغربية خلال زيارتي لمكتبة (كينوكونيا)، وعندما تكون في مدينة كبيرة لوحدك، يصيبك الزكام التواصلي بالعدوى؛ تصبح فجأة ودوداً مع البشر راغباً في الصداقة معهم

في المرة الثانية التي تقابلنا فيها في أحد الكافيهات، جلبت معها أختها (فطوم). لم أرَ في حياتي أجمل من (فطوم): كائن أسطوري ملائكي يرتدي تنورة زرقاء قصيرة وبلوزة بيضاء بلا أكمام. لا أعتقد أن التقاسيم المليحة للوجه، أو الشعر الكستنائي المعقوص جيداً، أو القوام الكميل هو ما يجذبك لتلك المرأة. هناك براءة في عينيها وابتسامة على ثغرها، تجعلك تسترجع ذكرى آيس كريم (كيمو أنتيمو)، وصلاة العيد، وأول هدف أحرزته في مباراة كرة قدم مع زملائك، وفوازير نيللي وشريهان، وجازورا وبومبو وصاحب الظل الطويل. كانت الابتسامة تشعرك بأنك حيوان لمجرد أنك تحتل الحيز الفيزيائي  مع كائن ملائكي لهذه الدرجة.



لفت نظري أنها تمارس حركات طفولية: تلعب بأكياس السكر، تتقافز على الأريكة، تمسك بدفاتر التلوين المخصصة في منطقة الأطفال وتخربش عليها. ظننت في البداية أن هذا أمر طبيعي، لأن الفتيات الآن بحكم القانون غير المكتوب لابد أن يتظاهرن بالطفولة لسبب عجيب لا أدريه: لابد من الدباديب، ملصقات الأنيمي الغبية على الموبايلات، عدة صور لهن وهن في وضع القطيطة الشهير. ربما كانت (فطوم) تبالغ في هامش الطفولة الذي يكفله لها المجتمع، هذا ما كنت أظنه.


لكن صديقتي تعامل أختها فعلاً كما الأطفال: تجلب لها ميلك شيلك، تضع فوطة على جيدها، تنهرها عن سكب مشروبها على الأرض. تعتذر لي صديقتي عن الإزعاج الذي سببته (فطوم) لكنها مضطرة لتحملها لغياب المربية التي ترعاها. هاه؟ لم أفهم جيداً. 


كانت (فطوم) حالة استثنائية بالغة الندرة، لديها تأخر شديد في إدراك الحقائق حولها بالإضافة إلى عدم قدرتها على تخزين وربط المعلومات بعضها ببعض، مما أثر على مشاعرها أيضاً. باختصار نحن ننظر إلى طفلة في التاسعة من عمرها محشورة في جسد امرأة في الثانية والعشرين.


والأسوأ أن الحالة تتفاقم تدهوراً. في سن الخامسة والثلاثين لن تكون (فطوم) قد تجاوز عقلها مستوى عقل مراهقة في الخامسة عشر في عمرها. وفي أوائل الخمسينيات من عمرها ستكون بالكاد قد تخطت قلاقل مرحلة المراهقة. وفي أسوأ السيناريوهات تشاؤماً سيصبح عقلها عاجزاً عن إدراك علاقات الحقائق من حولها بشكل شبه تام، مما يعني أنها قد تظل في سن معينة (السادسة عشر مثلاً) إلى الأبد.

لم تكن (فطوم) مثالاً للجمال الأنثوي كما توهمت، كانت تنتمي إلى ذلك العالم الصغير المدفون في أقصى عقولنا، الذي ظل يتضاءل ويتضاءل كلما كبرنا، ومهما حاولنا التشبث في أطلاله، لابد من انتعاشة واقعية: (مرض، وفاة، طلاق، ألم، إلخ..) تميت جزءاً من قلبك وتجعلك بشكل ما أكثر نضجاً.


ذهبت بصديقتي و(فطوم) إلى (تويز آر أس)، ابتعت لفطوم لعبة قطنية على شكل تمساح صغير ملون فرحت بها كثيراً، لم أنس أن أشترى لها بالوناً وكيس حلوى مقرمشة بدأت في التهامه فورياً، كانت بالغة السعادة، وكان وجهها يشرق فيجعلني أتمنى فقط أن أموت في تلك اللحظة: راضياً عن نفسي.

نسيت فطوم، حتى قابلتها صدفة البارحة في أحد أحلامي العابرة التي لا أفهم منها شيئاً، كنا على مقهى زهرة البستان، وكانت تثرثر معي عن (الوميض الأزرق)، و(كوكي)، و(مولان). لم أدرك أنه حلم حتى بدأت تحدثني عن انطباعاتها على رواية (كافكا على الشاطيء). الغريب أنني عندما استيقظت، وجدتها على باب حجرتي ترمقني بنفس الابتسامة الحنينية. للحظة اعتقدت أني في حلم آخر، أو بقايا الحلم الجميل يرافقني في أوهام واقعية، لكنها ظلت موجودة أكثر من دقيقتين. تتبعتها حتى وجدتها تدخل باب الحمام، دخلت وراءها وأضأت النور. اختفت فورياً.



جلست على حافة البانيو أضع يدي على رأسي، أتساءل أين ذهبت فطوم، أتساءل عن مخططات الله حول احتمالية أن ألتقي بها مجدداً في حياة أخرى.

نظرت إلى المرآة بعيون محمرة. علي الآن أن أستعد ليوم جديد لن يجعلني في الغالب راضياً عن نفسي.




No comments:

Post a Comment