July 10, 2011

إزاي تتهجموا ع الناس كده في بيوتشي الدعارة ؟


البارحة هو يوم المسخرة

صديقتنا أرادت أن تعزمنا على أكل بيتوتي من صنع يدها؛ لسبب غريب لا تذكره، وهكذا وجدت نفسي وصديقي شادي نستقبلهاعلى محطة المترو كي نحمل الأكل معها، كان الحجم مخيباً للآمال: صينية متوسطة الحجم لمكرونة بشاميل، طبق بلاستيكي يضم قطعاً من الدجاج، وطبق بطاطس بالمايونيز. كان مسار الأحداث في عقولنا المفجوعة يوحي بأننا سنكمل وجبتنا عند القزاز، خاصة وقد جوّعت نفسي في انتظار
مخاض طبيخ لم يأتِ بالحجم المناسب

ظننت أنها ستكون حركة لطيفة لو اشتريت لصديقتنا هدية ببسيطة: لعبة على شكل كلب بني ينبح، وله عينان فسفوريتان شريرتان. شكرتني صديقتنا على هذه الهدية كنوع من المجاملات الاجتماعية كما أعتقد، بينما لم أمنع نفسي من التفكير حول أي مقلب زبالة سينتهي مصير هذا الكلب البني الشرير

شادي يستمع إلى الاختراع الفرنسي اللطيف اللي اسمها زاز من آي فون صديقتنا، لا  ينس أن يغني لنا أحدث ما استمع إليه في الميكروباص:  حكسر كل حتة سليمة، حسيبك وأنا عندي عزيمة، حاخلي بجد ملكش قيمة، وأشيلك من جوه وريدي، كان الشرخ الوسوفي في صوت شادي يبدو ملائماً عليه كالرابط العجيب بتاع سبيس تون

تحدث في محطة مترو التحرير أمور خطيرة: اختفيت فجأة بالطعام الذي أحمله واتصلت بشادي: الأكل ده مش حتشوفوه تاني لو محدش بعت لي عشرين جنيه على صندوق التوفير بتاعي. شادي لم يبد مبالياً، صديقتنا لا تهتم. لعلي لم أبدُ خطراً كما يجب، شعرت فجأة بدوار الجوع ، كأني قط شوارع. وضعت الإيشارب الذي أعطته لنا صديقتنا للوقاية من سخونة الطعام كوشاح لطيف حول عنقي، نتمشى إلى مقهى زهرة البستان، لم يصل بقيتنا بعد، نتمشى إلى محل أبو أي حاجة باتنين جنيه ونص، نشتري بعض الأطباق والشوك البلاستيكية بالإضافة إلى سكين مطبخ ومغرفة، نعود مجدداً إلى مقهى زهرة البستان، لم يصل بقيتنا بعد

عندما ذهبت إلى شراء عبوات المياه الغازية وعدت، كان البقية قد وصلوا وعلى وشك التهام الطعام. كانت صديقتنا عاجزة تماماً عن منع شادي من ارتكاب الكارثة المحققة والتهام الطعام بأكمله، لكن صديقتنا الثانية أمسكت بسكين المطبخ وشوّحت به في وجهه مما دفعه إلى التراجع، اكتفى بالتهام ثلاث قطع دجاج. بالطبع كنت أفكر ماذا سيحدث لو اندفعت السكين إلى رقبته: مظاهر الذعر على وجوه من حولي، بينما الدم المنبثق من الرقبة المذبوحة يغرق كل شيء. لم أستطع بالطبع مشاطرة الجميع في هذه   الأفكار البهيجة؛ 
لأن العرف المجتمعي يقضي بألا تأتي سيرة الدم أثناء طقوس تناول الطعام 

كان التنظيم كافياً كي تحل البركة بالطعام، أنا لم أتناول الكثير ومع ذلك شعرت بالشبع بل وفاض من الطعام ما يكفي اثنين. قمت كأي قرد مدرب بدور جنية المطبخ الطيبة، وفي حوض صغير ملحق بالمقهى غسلت الصينية وطبق البطاطس بالمايونيز بما تيسر لي من المناديل المبللة والجافة. كنت أمقت الفوضى، وأعرف مدى المعاناة لو ظل الزنخ ملتصقاً بالأواني حتى غسلها فعلياً في بيت صاحبة الطعام



كان الأمر فوضوياً إلى درجة تدفعك إلى السلام النفسي، قهوة سادة وسيجارة كليوباترا، فقط كانت أمنيتي أن أغمض عينيّ وأنام. تخيلت فجأة لو أني مت في جلستي هذه، تعبيرات القلق على الوجوه، بعض البكاء، محاولات الإنعاش، لا فائدة، لقد رحل، ثم تخيلت أين سأدفن، وكيف ستكون مظاهر الجنازة، من سيحضر، كيف سأشعر بعد الموت، كل ما كنت أرغب به في جنازتي أن تعزف موسيقى القداس الجنائزي (ريكويم) لموتسارت، لم أستطع بالطبع مشاطرة الجميع في هذه الأفكار البهيجة؛ لأن العرف المجتمعي يقضي بألا تأتي سيرة الموت أثناء طقوس مداولات المزحة

تأتي الصديقة الثالثة متأخرة، تتناول نصيبها من الطعام، ويفيض منها ، نستمع منها إلى الرسالة الصوتية التي سجلها شادي على بريد هاتفها الصوتي، كان يعتقد أن الرسالة المسجلة هي اشتغالة منها، فسجل رسالة هي قطعة من المسخرة الفاخرة التي لا يمكن وصفها، كان المزاح متبادلاً والأصوات مرتفعة وأنا أشعر بالسلام النفسي، حتى خرجت - لا أدري حتى الآن من أي سياق حديث- جملة محمد هنيدي الشهيرة: إزاي تتهجموا ع الناس كده في بيوتشي الدعارة؟ أصبح طقس الضحك هيستيرياً، وازدادت رغبتي الصادقة في النوم

رحلت في البداية المشوّحة بالسكين، تبعتها بعد فترة صاحبة الطعام والصديقة الثالثة. ظل الأولاد فقط، هنا أخذت السهرة طابعاً أكثر غرابة، إذ صمم شادي أن يفتح كل التاريخ السري الأسود للشلة أمام صديق يراه للمرة الأولى، كانت تعابير الاشمئزاز ترتسم على وجهه في البداية، ثم بدأ الذهول، فالتفهم، فالضحك. ولا أعتقد أننا سنراه في مرات قادمة. أعتقد أنه تمنى مخلصاً أن تكون له صفة تشريحية مختلفة عنا لكيلا نشاطره هذه الأفكار غير البهيجة بالمرة التي تضمنت: الشذوذ الجنسي، نظرية السيت كوم الخاصة بالشلة، نظرية أعظم شخص في العالم الخاصة بي، ألاعيب الطفولة بيني وبين شادي، ارتشفت فنجانين مضاعفين من القهوة السادة وما أزال أشعر بالرغبة الصادقة في النوم

رحلت لأجد أبي نائماً حانقاً علي لأنه على وشك السفر بينما أتسكع أنا مع أصدقائي. اختفى كل الدوار اللطيف والخدر المسكر ليوم بدا بهيجاً، نمت بثيابي دون أن ألقي نظرة على عوالم موراكامي، كان النوم متقطعاً، لكن الأحلام بدت للغرابة بهيجة حقاً: صديقتنا المشوحة بالسكين تذبحني، أنزف، أشعر بآلام فظيعة في رقبتي، أبي يرفض عزف موسيقى القداس الجنائزي أمام مدفني لأن المعازف حرام، تنتهي جثتي في مقلب زبالة بينما الكلب البني الشرير يلتهم أطرافي

2 comments:

  1. بالطبع كنت أفكر ماذا سيحدث لو اندفعت السكين إلى رقبته: مظاهر الذعر على وجوه من حولي، بينما الدم المنبثق من الرقبة المذبوحة يغرق كل شيء.

    كنت أمقت الفوضى، وأعرف مدى المعاناة لو ظل الزنخ ملتصقاً بالأواني حتى غسلها فعلياً في بيت صاحبة الطعام

    تخيلت فجأة لو أني مت في جلستي هذه، تعبيرات القلق على الوجوه، بعض البكاء، محاولات الإنعاش، لا فائدة، لقد رحل، ثم تخيلت أين سأدفن، وكيف ستكون مظاهر الجنازة، من سيحضر، كيف سأشعر بعد الموت، كل ما كنت أرغب به في جنازتي أن تعزف موسيقى القداس الجنائزي (ريكويم) لموتسارت،

    لو الكلام اللي فوق ده حقيقي فأنا مبسوطة فعلا بالمدونة بجد بجد يعني
    و نفسي أفهم "نظرية أعظم شخص في العالم الخاصة بي،"

    مستنياها بقى

    ReplyDelete
  2. جميل أن تلعب في يوم كان وصفه الأمثل المسخرة..لتزداد درجة المسخرة، ولينطبع أكثر في الذاكرة

    رغم الدم والجو الكابوسي استمتعت بالقراءة يا حسام :)
    منتظرة أنا تحولك لقاتل متسلسل متسلل أنيق كده

    ReplyDelete